كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فبأي آلاء ربك تتمارى} فلقد كانت إذن تلك المصارع آلاء لله وأفضالًا. ألم يهلك الشر؟ ألم يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق؟ ألم يترك فيها آيات لمن يتدبر ويعي؟ أليست هذه كلها آلاء. فبأي آلاء ربك تتمارى! الخطاب لكل أحد. ولكل قلب، ولكل من يتدبر صنع الله فيرى النعمة حتى في البلوى!
وعلى مصارع الغابرين المكذبين بالنذر- بعد استعراض مظاهر المشيئة وآثارها في الأنفس والآفاق- يلقي بالإيقاع الأخير قويًا عميقًا عنيفًا. كأنه صيحة الخطر قبيل الطامة الكبرى:
{هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة}..
هذا الرسول الذي تتمارون في رسالته وفي نذارته. هذا نذير من النذر الأولى التي أعقبها ما أعقبها! وقد ازفت الآزفة. واقتربت كاسحة جارفة. وهي الطامة والقارعة التي جاء هذا النذير يحذركم إياها أو هو هول العذاب الذي لا يعلم إلا الله نوعه وموعده. ولا يملك إلا الله كشفه ودفعه: {ليس لها من دون الله كاشفة}..
وبينما الخطر الداهم قريب. والنذير الناصح يدعوكم إلى النجاة. إذا أنتم سادرون لاهون لا تقدرون الموقف ولا تفيقون.
{أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون}..
وهذا الحديث جد عظيم يلقي على كاهل الناس واجبات ضخمة وفي الوقت ذاته يقودهم إلى المنهج الكامل. فهم يعجبون؟ ومم يضحكون؟ وهذا الجد الصارم، وهذه التبعات الكبيرة، وما ينتظر الناس من حساب على حياتهم في الأرض.. كله يجعل البكاء أجدر بالموقف الجد، وما وراءه من الهول والكرب..
وهنا يرسلها صيحة مدوية، ويصرخ في آذانهم وقلوبهم، ويهتف بهم إلى ما ينبغي أن يتداركوا به أنفسهم، وهم على حافة الهاوية:
{فاسجدوا لله واعبدوا}.
وإنها لصيحة مزلزلة مذهلة في هذا السياق، وفي هذه الظلال، وبعد هذا التمهيد الطويل، الذي ترتعش له القلوب:
ومن ثم سجدوا. سجدوا وهم مشركون. وهم يمارون في الوحي والقرآن. وهم يجادلون في الله والرسول!
سجدوا تحت هذه المطارق الهائلة التي وقعت على قلوبهم والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة عليهم. وفيهم المسلمون والمشركون. ويسجد فيسجد الجميع. مسلمين ومشركين. لا يملكون أن يقاوموا وقع هذا القرآن؛ ولا أن يتماسكوا لهذا السلطان.. ثم أفاقوا بعد فترة فإذا هم في ذهول من سجودهم كذهولهم وهم يسجدون!
بهذا تواترت الروايات. ثم افترقت في تعليل هذا الحادث الغريب. وما هو في الحقيقة بالغريب. فهو تأثير هذا القرآن العجيب ووقعه الهائل في القلوب!
هذا الحادث الذي تواترت به الروايات. حادث سجود المشركين مع المسلمين. كان يحتاج عندي إلى تعليل. قبل أن تقع لي تجربة شعورية خاصة عللته في نفسي، وأوضحت لي سببه الأصيل.
وكنت قد قرأت تلك الروايات المفتراة عما سمي بحديث الغرانيق، الذي أورده ابن سعد في طبقاته، وابن جرير الطبري في تاريخه.
وبعض المفسرين عند تفسيرهم لقوله تعالى: {ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}. إلخ وهي الروايات التي قال فيها ابن كثير- جزاه الله خيرًا- ولكنها من طرق كلها مرسلة. ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
وأكثر هذه الروايات تفصيلًا وأقلها إغراقًا في الخرافة والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية ابن أبي حاتم. قال: حدثنا موسى بن ابي موسى الكوفي، حدثنا محمد بن اسحاق الشيبي، حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب. قال: أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه؛ ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم؛ فكان يتمنى هداهم. فلما أنزل الله سورة النجم قال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى.. وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته.. فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة. وزلت بها ألسنتهم. وتباشروا بها. وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه.. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد، وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك. غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا كبيرًا فرفع ملء كفه ترابًا فسجد عليه. فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين. ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين.. فاطمأنت أنفسهم- أي المشركون- لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السورة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم. ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين: عثمان بن مظعون وأصحابه. وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه، وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة، فأقبلوا سراعًا، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، وحفظه من الفرية.
وقال: {ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الخ} فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم على المسلمين، واشتدوا عليهم... انتهى.
وهناك روايات أخرى أجرأ على الافتراء تنسب قولة الغرانيق.. تلك.. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلل هذا برغبته- حاشاه صلى الله عليه وسلم- في مراضاة قريش ومهادنتها!!!
وقد رفضت منذ الوهلة الأولى تلك الروايات جميعًا.. فهي فضلًا عن مجافاتها لعصمة النبوة وحفظ الذكر من العبث والتحريف، فإن سياق السورة ذاته ينفيها نفيًا قاطعًا. إذ أنه يتصدى لتوهين عقيدة المشركين في هذه الآلهة وأساطيرهم حولها. فلا مجال لإدخال هاتين العبارتين في سياق السورة بحال. حتى على قول من قال: إن الشيطان ألقى بهما في أسماع المشركين دون المسلمين. فهؤلاء المشركون كانوا عربًا يتذوقون لغتهم. وحين يسمعون هاتين العبارتين المقحمتين ويسمعون بعدهما: {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذًا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموهآ أنتم وآبآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان}. الخ. ويسمعون بعد ذلك {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}.. ويسمعون قبله: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}.. حين يسمعون هذا السياق كله فإنهم لا يسجدون مع الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الكلام لا يستقيم. والثناء على آلهتهم وتقرير أن لها شفاعة ترتجى لا يستقيم. وهم لم يكونوا أغبياء كغباء الذين افتروا هذه الروايات، التي تلقفها منهم المستشرقون مغرضين أو جاهلين!
لغير هذا السبب إذن سجد المشركون. ولغير هذا السبب عاد المهاجرون من الحبشة ثم عادوا إليها بعد حين مع آخرين.
وليس هنا مجال تحقيق سبب عودة المهاجرين، ثم عودتهم إلى الحبشة مع آخرين..
فأما أمر السجود فهو الذي نتصدى له في هذه المناسبة..
لقد بقيت فترة أبحث عن السبب الممكن لهذا السجود. ويخطر لي احتمال أنه لم يقع؛ وإنما هي رواية ذكرت لتعليل عودة المهاجرين من الحبشة بعد نحو شهرين أو ثلاثة. وهو أمر يحتاج إلى التعليل.
وبينما انا كذلك وقعت لي تلك التجربة الشعورية الخاصة التي أشرت إليها من قبل..
كنت بين رفقة نسمر حينما طرق أسماعنا صوت قارئ للقرآن من قريب، يتلو سورة النجم. فانقطع بيننا الحديث، لنستمع وننصت للقرآن الكريم. وكان صوت القارئ مؤثرًا وهو يرتل القرآن ترتيلًا حسنًا.
وشيئًا فشيئًا عشت معه فيما يتلوه. عشت مع قلب محمد صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الملأ الأعلى.
عشت معه وهو يشهد جبريل- عليه السلام- في صورته الملائكية التي خلقه الله عليها. ذلك الحادث العجيب المدهش حين يتدبره الإنسان ويحاول تخيله! وعشت معه وهو في رحلته العلوية الطليقة. عند سدرة المنتهى. وجنة المأوى. عشت معه بقدر ما يسعفني خيالي، وتحلق بي رؤاي، وبقدر ما تطيق مشاعري وأحاسيسي..
وتابعته في الإحساس بتهافت أساطير المشركين حول الملائكة وعبادتها وبنوتها وأنوثتها.. إلى آخر هذه الأوهام الخرفة المضحكة، التي تتهاوى عند اللمسة الأولى.
ووقفت أمام الكائن البشري ينشأ من الأرض، وأمام الأجنة في بطون الأمهات. وعلم الله يتابعها ويحيط بها.
وارتجف كياني تحت وقع اللمسات المتتابعة في المقطع الأخير من السورة.. الغيب المحجوب لا يراه إلا الله. والعمل المكتوب لا يند ولا يغيب عن الحساب والجزاء. والمنتهى إلى الله في نهاية كل طريق يسلكه العبيد. والحشود الضاحكة والحشود الباكية. وحشود الموتى. وحشود الأحياء. والنطفة تهتدي في الظلمات إلى طريقها، وتخطو خطواتها وتبرز أسرارها فإذا هي ذكر أو أنثى. والنشأة الأخرى. ومصارع الغابرين. والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى!
واستمعت إلى صوت النذير الأخير قبل الكارثة الداهمة: {هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة}..
ثم جاءت الصيحة الأخيرة. واهتز كياني كله أمام التبكيت الرعيب: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون}.
فلما سمعت: {فاسجدوا لله واعبدوا}.. كانت الرجفة قد سرت من قلبي حقًا إلى أوصالي. واستحالت رجفة عضلية مادية ذات مظهر مادي، لم أملك مقاومته. فظل جسمي كله يختلج، ولا أتمالك أن أثبته، ولا أن أكفكف دموعًا هاتنة، لا أملك احتباسها مع الجهد والمحاولة!
وأدركت هذه اللحظة أن حادث السجود صحيح، وأن تعليله قريب. إنه كامن في ذلك السلطان العجيب لهذا القرآن، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة. ولم تكن هذه أول مرة أقرأ فيها سورة النجم أو أسمعها. ولكنها في هذه المرة كان لها هذا الوقع، وكانت مني هذه الإستجابة.. وذلك سر القرآن.. فهناك لحظات خاصة موعودة غير مرقوبة تمس الآية أو السورة فيها موضع الإستجابة؛ وتقع اللمسة التي تصل القلب بمصدر القوة فيها والتأثير. فيكون منها ما يكون!
لحظة كهذه مست قلوب الحاضرين يومها جميعًا. ومحمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة يقرؤها بكيانه كله. ويعيش في صورها التي عاشها من قبل بشخصه. وتنصب كل هذه القوة الكامنة في السورة من خلال صوت محمد صلى الله عليه وسلم في أعصاب السامعين. فيرتجفون ويسمعون: {فاسجدوا لله واعبدوا} ويسجد محمد والمسلمون.. فيسجدون..
ولقد يقال: إنك تقيس على لحظة مرت بك، وتجربة عانيتها أنت. وأنت مسلم. تعتقد بهذا القرآن. وله في نفسك تأثير خاص.. وأولئك كانوا مشركين يرفضون الإيمان ويرفضون القرآن!
ولكن هنالك اعتبارين لهما وزنهما في مواجهة هذا الذي يقال:
الاعتبار الاول: أن الذي كان يقرأ السورة كان هو محمد صلى الله عليه وسلم النبي.
الذي تلقى هذا القرآن مباشرة من مصدره. وعاشه وعاش به. وأحبه حتى لكان يثقل خطاه إذا سمع من يرتله داخل داره، ويقف إلى جانب الباب يسمع له حتى ينتهي! وفي هذه السورة بالذات كان يعيش لحظات عاشها في الملأ الأعلى. وعاشها مع الروح الأمين وهو يراه على صورته الأولى.. فأما أنا فقد كنت أسمع السورة من قارئ. والفارق ولا شك هائل!
والاعتبار الثاني: أن أولئك المشركين لم تكن قلوبهم ناجية من الرعشة والرجفة، وهم يستمعون إلى محمد صلى الله عليه وسلم إنما كان العناد المصطنع هو الذي يحول بينهم وبين الإذعان.. والحادثان التاليان شاهد على ما كان يخالج قلوبهم من الارتعاش.
روى ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب، من طريق محمد بن اسحاق، عن عثمان بن عروة، ابن الزبير، عن أبيه، عن هناد بنت الأسود، قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزوا إلى الشام، فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد، ولأوذينه في ربه سبحانه وتعالى. فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد. هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك» ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه، فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر له ما قاله. فقال: فما قال لك؟ قال: اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك. قال: يا بني والله ما آمن عليك دعاءه! فسرنا حتى نزلنا أبراه- وهي في سدة- ونزلنا إلى صومعة راهب. فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد؟ فإنها يسرح فيها الأسد كما تسرح الغنم! فقال أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي؛ وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها. ففعلنا. فجاء الأسد فشم وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة فوق المتاع، فشم وجهه، ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه. فقال: أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد!.
هذا هو الحادث الأول صاحبه أبو لهب. أشد المخاصمين لمحمد صلى الله عليه وسلم المناوئين له، المؤلبين عليه هو وبيته. المدعو عليه في القرآن هو وبيته: {تبت يدآ أبي لهب وتب مآ أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارًا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد}.
وذلك شعوره الحقيقي تجاه محمد وقول محمد. وتلك ارتجافة قلبه ومفاصله أمام دعوة محمد صلى الله عليه وسلم على ابنه.
والحادث الثاني: صاحبه عتبة بن أبي ربيعة. وقد أرسلته قريش إلى محمد صلى الله عليه وسلم يفاوضه في الكف عن هذا الذي فرق قريشا وعاب آلهتهم، على أن يكون له منهم ما يريد من مال أو رياسة أو زواج. فلما انتهى من عرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «فاستمع مني». قال: أفعل. قال: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} ثم مضى حتى قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}.. عندئذ هب عتبة يمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم في ذعر وهو يقول: ناشدتك الرحم أن تكف.. وعاد إلى قريش يقص عليهم الأمر. ويعقب عليه يقول: وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.
فهذا شعور رجل لم يكن قد أسلم. والارتجاف فيه ظاهر. والتأثر المكبوت أمام العناد والمكابرة ظاهر.